الملخص
(تجديد النحو العربي) من الموضوعات التي شغلت حيّزًا واسعًا من اهتمام الباحثين المحدَثين والمؤسّسات الثقافية والتعليمية، وذلك في ضوء شكاوى المتعلمّين من صعوبته، ومشكلات تعليمه، آلت اجتهادات الباحثين ومقترحاتهم في هذا المضمار إلى ثلاثة اتجاهات، يدعو أولها إلى استحداث نحوٍ جديد مبنيٍّ على العامّيات واللهجات، ويذهب الثاني إلى ضرورة تعديل النحو العربي، وإعادة بنائه وفق مقتضيات المنهج الوصفي، والتخلي عن بعض أصوله، التي كانت بزعمهم تسليطًا للمنطق على اللغة، أما الثالث فقد رأى أنّ تجديد النحو يكون عبر تيسيره، وفصل جانبه العلمي عن التعليمي.
ولم يكن لهذه الاتجاهات، ما عدا الأخير، كبير أثر في الدرس النحوي العربي، فقد تلقّى الباحثون وأهل الاختصاص الاتجاه الأول بالرفض التام لما فيه من تعدٍّ على العربية الفصحى وسعيٍ لتشريع العاميات، بما يفضي إليه ذلك من ضياع لغتنا القومية، أهم مقوّمات وحدتنا وهويتنا. أمّا الاتجاه الثاني فما لبث أن تراجع مع تراجع المنهج الوصفي في دراسة اللغة حول العالم، وظهور مدرسة النحو التوليدي التحويلي التي توافق في كثير من مبادئها أصولَ النحو العربي، هذا مع ما للنحو العربي من فضلِ السَّبْق والريادة.
ويمكن القول إن الاتجاه الذي آل فيه مفهوم التجديد إلى التيسير هو الذي أسهم في حلّ مشكلات النحو العربيّ عبر المؤلفات الميسَّرة التي أصبحت المعتمد في التعليم لمرحلة ما قبل الاختصاص.
ومهما يكن من أمر دعوات تيسير النحو أو تجديده؛ فإن المختصين من ذوي الخبرة يجمعون على أنّ النحو ليس غايةً في ذاته، بل هو وسيلة لتقويم اللسان وتبرئته من اللحن العارض، وأن مسألة اكتساب اللغة السليمة منفصلة في مجملها عن معرفة النحو، فالعمدة فيها بناء الفطرة اللغوية عبر تنمية ذخيرة واسعة من الفصحى في مراحل مبكرة من نموّ الطفل، وهي مسؤولية ينبغي أن تنهض بعبئها المؤسسات الثقافية والتربوية والتعليمية الحكومية، وفق خطط مدروسة محكمة يضعها الخبراء، فلا يُركن فيها إلى جهد فردي أو محاولات جماعية محدودة.
ولعلّ السبيل الأمثل إلى تيسير النحو هو أن تكون قواعده انعكاسًا للمعرفة اللغوية التي يصدر عنها المتكلم (تصدر عن المتكلم؟؟؟؟) على نحوٍ غير واعٍ، ومشكلة الناشئة مع النحو في حقيقتها هي صورة لمشكلتهم مع الفصحى نفسها، لأن اللغة التي اكتسبوها عبر مسيرتهم هي العاميّة، والحرصُ على تغيير هذا الواقع تدريجيًا بالطرق العلمية، وإحلال الفصحى محلّ العاميّات واجب قوميّ يحفظ للأمة لغتها الواحدة، وهويتها الأصيلة.